الأربعاء

حماده..


اعود فى طريقى اليومى الى منزلنا مارا ً بنفس الاماكن و الاشخاص التى امر بها يوميا..اكتشف اننى اصبحت مثل القطار فى طريق عودتى الذى لن يتغير مساره مهما حدث..اعتقد ان قدرة الرجوع الى بيتى مغمضا ًعيانى تتزايد بداخلى يوما ً تلو الاخر...

امر على صالون "شيك" للحلاقه الذى تعودت الذهاب اليه كلما اشتكت امى من شكلى الذى اصبح على حد قولها مثل "الغول" مخيفاً لها و انه قد حان ميعاد التوجه الى الحلاق ليعيدنى اليفا ً كما كنت بالنسبة لها..لا استطيع الصمود كثيرا امام تكرار الملاحظات الدائمه من الجميع بضرورة التخلص من هذا الشعر الذى يعتقد كل من حولى انه كبير الا انا....

افاجأ ان "على" صاحب الصالون الذى كان رجلا فى اواخر الثلاثينيات من عمره يقف وحيدا داخل محله ذى الاربعة كراسى..فأكمل طريقى متكاسلاً عن هذة المهمة الممله...

فى اليوم التالى مباشرة اجد افتتاح لصالون حلاقة جديد اطلقوا عليه "friends" ليضفوا عليه نوع من الدفىء الاخوى المصطنع لجذب المزيد من الزبائن الجدد....المح "حماده"(الحلاق المفضل لدى) هو و "مجدى" و "محمود" الذين كانوا يعملون تحت قيادة على فى صالونه "شيك" يقفون وسط السماعات الضخمه و صوت هشام عباس المرتفع بترديد اسماء الله الحسنى مستقبلين التهانى بافتتاح صالونهم الجديد الذى لا يبعد سوى بضعة امتار عن مكان عمل ثلاثتهم القديم......

اهنىء "حماده" بالافتتاح فينظر الى حال شعرى مبتسماً فاعده بتحديد موعد معه خلال الايام القادمه ليمارس مهنته فى رأسى بداخل مكان عمله الوليد...

ارحل ويتملك عقلى الكثير من التساؤلات و الخواطر التافهه التى لا تهمنى فى شىء الا لشغل وقت السير القصير حتى الوصول الى منزلى...هل كان يعرف "المعلم على" بما يخبؤوه داخلهم و نيتهم المبيته للانفصال عنه و الاستقلال بصالون خاص بهم و تركه وحيداً هكذا؟؟...... وكيف استطاعوا التستر على ما يخططون لفعله كل هذا الوقت و تجهيز الصالون الجديد بكل ما يلزمه من ادوات و كراسى جلدية مريحه وتلفاز صغير لتعليقه بالقرب من السقف وعبوات "كريم" و "جيل" ذوى احجام مختلفه...

لم ارى على فى الافتتاح ففهمت ان الانفصال كان مفاجىء و بدون علمه لانى لاحظته طيلة اسبوع كامل يقف وحيداً دون تجهيز بديل مناسب للفراغ الذى تركوه.....

تأكد احساسى بأن حلفاء اليوم اصبحوا منافسى الغد عندما وجدت على يبالغ فى الترحيب بى اثناء مرورى بجواره مردداً عبارات مثل"اتفضل يا دكتور" وما الى ذلك و ابتسامة عريضه على وجهة اشاهدها لاول مره اثناء رده لسلامى عليه...كان يأمل ان يخرج باقل الخسائر و الا يذهب حماده بزبائنه الى مقر عمله الجديد....و لكننى كنت قد قررت البقاء مع حماده الذى يقاربنى فى السن و تشجيعه اينما ذهب..الذى رفض الظلم بشجاعه و قرر هو و زميليه ان يستقلوا بانفسهم و لا يرضوا بأخذ الفتات الذى يعطيه لهم مالك الصالون....اعجبنى تمردهم و ضربهم له فى مقتل بهدوء و ذكاء يُحسدوا عليه .....

رأنى على و قد ظَهَرت علىَّ اثار ما فعله حمادة برأسى لاجده ينظر لى شظرا فقد ادرك هزيمته امام ثورة الشباب التى قاموا بها بين جدران صالونه فيدير وجهه عنى فانا اصبحت فى نظره احد المشاركين فيها الذين ساعدوا حماده و رفاقه على تحقيق حلماً يراودهم منذ احترافهم الحلاقه فى امتلاك صالونهم الخاص الذى اسموه "friends" ليضفوا عليه نوع من الدفىء الاخوى المصطنع لجذب المزيد من الزبائن الجدد... !!